ادم
ينظر الى النيل ويتأمله .. وقف وأسند ذراعيه على السور وهو يتأمل ظلام السماء .. شعر بأنه ينظر داخل قلبه .. فحال تلك السماء كحال قلبه .. ظلام فى ظلام .. ثم نظر الى القمر الذى لا يظهر منه سوى هلال صغير .. تماما كقلبه .. يشعر بوجود ضوء صغير يحارب ليظهر ويتغلب على الظلام .. لكن آدم لا يسمح بهذا الضوء بأن يكبر وينير ظلام قلبه .. لا يسمح ولا يريد .. يريد قلبه أسود كما هو .. كيف سيحقق انتقامه ان اختفى هذا السواد .. يريد أن يرجع حقه ممن نهبه .. لا يريد أكثر من حقه المسلوب .. فلماذا يلام على ذلك .. لماذا يلام على رغبته فى استرداد حقه .. شعر بأنه يقترب شيئا فشيئا من هدفه .. خطوة وراء خطوة وسيصل الى مبتغاه .. عليه فقط .. الصبر .. والإنتظار
أيوة يا آيات نتقابل فى مكان الباص
قالت آيات بحماس
تمام يا أسماء .. يلا سلام
توجهت الى سيارتها ووضعت حقيبتها .. تذكرت محادثتها مع والدها منذ يومين حين قال والدها
مامتها مش راضية
يعني هى مامتها مش راضية .. وانتى ملكيش أهل
قالت آيات بسرعة
لا مش قصدى يا بابا .. قصدى ان فى بيت أسماء طنط موجودة .. أما هنا فأنا وحضرتك عايشين لوحدنا .. فعشان كدة الأحسن أنا اللى أروح أبات معاها
فكر عبد العزيز قليلا ثم قال
مش عارف يا آيات مش حابب حكاية البيات دى
عشان خاطرى يا بابا بجد محتاجين نذاكر سوا .. خلاص الإمتحانات قربت وأنا بركز أكتر لما بذاكر مع أسماء .. عشان خاطرى يا بابا وافق دول هما ليلتين بس .. عشان خاطرى وافق يا بابا .. وكمان لو تحب خليك معايا على الموبايل على طول نطمن على بعض
وافق عبد العزيز مرغما وهو يقول
أعمل ايه يعنى .. خلاص يا بنتى
ميرسي يا بابا
قال عبد العزيز محذرا
ممنوع الخروج بعد 10 يا آيات .. وياريت متخرجش أصلا انتى رايحه تذاكرى مش تتفسحى
قالت آيات بحماس
متقلقش يا بابا متقلقش
انتبهت آيات الى اشارة المرور التى أرغمتها على التوقف .. توقفت وهى شاردة فيما تفعل .. زفرت بضيق .. فلم تتصور أن يصل بها الحال الى الكذب على والدها بهذا الشكل والسفر الى بلد أخرى والإقامة فيها دون علم والدها .. لكنها أخذت تقنع نفسها بأنها لن ترتكب أى شئ خطأ .. هى فقط تريد استغلال فرصة لن تتكرر .. تريد أن تكون قربه تريد أن تفهم مشاعرها وتعرف هل هناك أمل فى أن يشعر بها يوما .. أم أنها تجرى خلف سراب .. أرهقها التفكير فزفرت بضيق وأدارت المسجل لتنساب نغمات احدى الأغنيات الى أذنيها
قال أحد الطلاب بحماس
طبعا جاهزين يا دكتور
نظر آدم الى الساعة وقال
طيب على العموم لسه خمس دقائق وعايزكم تقفولى صف ومتطلعوش الباص إلا لما أتمم عليكم
قالت احدى الفتيات ضاحكة
ايه شغل ابتدائى ده يا دكتور
ابتسم آدم ابتسامته الجذابه التى خفق لها قلب آيات قائلا
ده نظامى .. لو عندكوا اعتراض ممكن اعتذر عن اشراف الرحلة وأخلى دكتور مسعد يطلع بدالى
صاح الجميع فى استنكار
لا أبوس ايدك يا دكتور
اعمل الى انت عايزه يا دكتور بس بلاش دكتور مسعد
ابتسم آدم والټفت يبحث بعينيه عن ساندى .. لكنه لم يجدها بين الحضور .. كانت آيات واقفة تتأمله .. التحمت نظراتهما .. فجفلت .. وأخفضت بصرها فى توتر .. ألقى آدم عليها نظرة لامبالاة وماهى إلا لحظات حتى حضرت ساندى و أسماء واكتمل العدد .. نظرت آيات پحده الى ساندى الواقفه تتحدث بميوعه مع آدم وقالت ل أسماء بحنق
شايفه واقفه تكلمه ازاى
قالت أسماء
سيبك منها
وقف الجميع صفا وتقدم كل طالب ليخبر اسمه ل أدم الذى وقف بجوار باب الأتوبيس من الأسفل .. تابع آدم الكشف الذى بيده وهو يستمع الى اسم كل طالب على حدى .. اتى دور آيات فنظر اليها منتظرا أن تقول اسمها ليبحث عنه فى الكشف .. قالت بتوتر وهى تنظر اليه مبتسمه
آيات عبد العزيز حسان اليمانى
تصلب جسد آدم وهو يستمع الى اسمها .. رفع رأسه ونظر اليها بتمعن قائلا
انتى من عيلة حسن اليمانى
شعرت آيات بالسعادة فلربما يعرف أحد أفراد عائلتها وتجد مدخلا للحديث معه .. قالت بحماس
أيوة
قال آدم بلهفه وعيناه الزرقاوين تكاد تخترقانها من فرط امعانه فيها
سراج حسن اليمانى يقربلك ايه
ابتسمت آيات قائله بحماس
ده يبقى عمى
تجمدت ملامح آدم وظلت نظراته مثبتة عليها كالليزر .. شعرت آيات بالتوتر من نظراته التى لم تستطيع تفسير معناها .. قالت بإرتباك
اطلع الباص
أومأ برأسه دون أن يرفع بصره عنها .. صعدت وضربات قلبها تزداد اضطرابا .. وقف آدم لحظات جامدا .. ثم ما لبثت تعبيرات الڠضب أن ظهرت على ملامحه واشعلت نظراته وهو يتمتم بصرامة
عمك !!
جلست آيات بجوار أسماء وقالت لها بلهفه وسعادة بصوت منخفض خشية أن يسمعها من حولها
دكتور آدم اتكلم معايا
ضحكت أسماء قائله
صلاة النبي أحسن .. ده احنا لسه بنقول يا هادى
ثم غمزت بعينها قائله
يا يويو يا جامد
ثم قالت
احكيلى قالك ايه
قالت آيات بحماس
سألنى على عمى سراج
قالت أسماء بإستغراب
عمك .. وهو يعرفه منين
قالت آيات بسعادة
معرفش .. بس مش مهم .. المهم انه اتكلم معايا يا أسماء
التفتت آيات تنظر الى آدم الواقف بجوار الأتوبيس الټفت فالتقت عيناهما .. خفق قلبها .. لكنها هذه المرة لم تشح بوجهها .. وهو أيضا لم يفعل .. حاولت أن تفهم معنى نظراته وسببها .. لكنها لم تستطع .. ولم تحاول كثيرا أن تفهم .. فكل ما كانت تشعر به الآن هو السعادة .. السعادة لأنه أخيرا الټفت اليها
صعد الجميع وانطلق الأتوبيس بهم فى طريقهم الى العين الساخنة .. كان آدم يجلس فى الأمام على بعد ثلاث مقاعد من مقعدى آيات و أسماء .. الټفت ينظر فى اتجاه آيات فانتبهت لتلك العينان الزرقاوان اللاتات تتفرسان فيها .. شعرت بإرتجافة فى أوصالها .. ثم عاد لينظر أمامه مرة أخرى .. ضحكت أسماء ضحكة خافته ووكزت أسماء فى ذراعها قائله
ايه يا آيات ده .. لحقتى وقعتيه
قالت آيات بإرتباك
والله ما عملت حاجة
قالت أسماء بلؤم
أمال لو عملتى
ثم اڼفجرت مرة أخرى ضاحكة .. لم تشاركها آيات ضحكاتها ولا مزاحها .. لأن عقلها كان فى مكان آخر .. كان مع والدها .. والدها الذى كذبت عليه .. وهاهى فى طريقها خارج القاهرة .. لتمضى ليلتين فى هذا البلد الغريب .. ودون علم والدها .. الذى كان ومازال كل ما تملك فى هذه الحياة .. شعرت پألم شديد فى قلبها .. وصوت يهتف بداخلها
أهذه ثقة والدك فيك يا آيات .. أيستحق منك تلك الخېانة .. وهو الذى لم يقصر فى حقك يوما وهو الذى وثق بك دوما .. وهو الذى كان الأب والأم والأخ والصديق وكل عائلتك .. أيستحق منك تلك الطعڼة .. ماذا لو علم .. كيف يتكون نظرته اليك .. الى ابنته التى تعب وعانى فى تربيتها وتعليمها وأوصلها الى ما هى عليه الآن .. كيف ستكون خيبة أمله فيك يا آيات
كانت آيات تنظر من الشباك المجاور لها وهى شاردة واجمة وعلامات الحزن على وجهها ..لم تنتبه الى ساندى التى حضرت من الخلف فى اتجاه آدم ونظرت اليه قائله بدلال
تسمحلى يا دكتور عايزة أتكلم مع حضرتك فى بروجرام الرحلة
ابتسم لها آدم ووقف لتجلس على المقعد المجاور له .. كان عقل آدم فى مكان آخر تماما فلم يستمع الى ساندى التى تلقى على مسامعه اقتراحاتها بشأن تطوير برنامج الرحلة والأماكن التى تعرفها فى العين الساخنة .. كان عقل آدم منشغل بتلك الفتاة التى تجلس خلفه بثلاث مقاعد .. قال لنفسه
ما هذه المصادفة يا آدم .. واحدة من عائلة اليمانى تحت رحمتك .. وفى قبضة يدك .. يبدو أن حظك بدأ فى الإبتسام لك أخيرا يا آدم
فجأة وبدون سابق انذار هبت آيات واقفة وهى تأخذ حقيبتها التى وضعتها فى الرف العلوى .. نظرت اليها أسماء بدهشة قائله
بتعملى ايه يا آيات
قالت آيات بحزم وهى تضع الحقيبة على ظهرها
نازلة
قالت أسماء غير مصدقة
نازلة .. يعني ايه نازلة
قالت آيات بحزم وهى تنظر اليها
مش عايزة أطلع الرحلة دى .. غيرت رأيي
فتحت أسماء فمها دهشة و أن تتمكن من الرد عليها توجهت آيات الى السائق وأمرته بالتوقف توقف السائق لتنزل منه آيات .. أسرع آدم ينزل درجات الحافلة خلفها وجذبها من ذراعها قائلا
انتى راحه فين
التفتت اليه آيات بدهشة ونظرت الى يده الممسكة بذراعها وقالت
غيرت رأيي مش طالعه الرحله
قال آدم بدهشة
هو لعب عيال
جذبت ذراعها من يده وقالت بإضطراب
انا آسفة .. بس غيرت رأيي
التفتت لتغادر مشرعة .. رآها آدم وهى تبتعد .. كانت تسير فى طريق العودة الى القاهرة على هذا الطريق الصحراوى الذى يخلو من السيارات فى هذا الوقت من الصباح الباكر .. شعر آدم بأن هذه هى فرصته .. وأراد استغلالها الى أقصى درجة ممكنة .. توجه مسرعا الى الأتوبيس وأخذ حقيبته وقال للمشرفة التى معه
أنا مضطر اروح معاها عشان مش هتعرف ترجع لوحدها .. وهبعتلكوا دكتور مسعد .. هتعرفى تتصرفى لوحدك يا دكتورة
ابتسمت قائله
أيوة يا دكتور متقلقش .. المهم متسبش البنت لوحدها
نزل آدم من الأتوبيس وهو يحمل حقيبته على كتفه ويقول لنفسه بقسۏة وغل وحقد دفين
متقلقيش مش هسيبها .. أبدا .. !
الحلقة 5
انا آسفة .. بس غيرت رأيي
التفتت لتغادر مسرعة .. رآها آدم وهى تبتعد .. كانت تسير فى طريق العودة الى القاهرة على هذا الطريق الصحراوى الذى يخلو من السيارات فى هذا الوقت من الصباح الباكر .. شعر آدم بأن هذه هى فرصته .. وأراد استغلالها الى أقصى