الأربعاء 18 ديسمبر 2024

روايه امرأه العقاپ بقلم ندى محمود توفيق

انت في الصفحة 4 من 86 صفحات

موقع أيام نيوز


تردد ما قالته لها والدتها 
افتح الفديو يابابا 
انزل الهاتف من على أذنه فور سماعه لجملتها وضغط هو الآخر على زر محادثة الفديو فانفتح الفديو رأى صغيرته وهي تحدق بشاشة الهاتف التي تراه فيها وهي تضحك بسعادة فاتسعت ابتسامته أكثر وكانت جلنار تجلس بجانب صغيرتها تتابع انفعالات وجهه لوهلة شعرت بالندم الحقيقي والإشفاق على وضعه ترك لحيته حتى ڼموت وكبرت وظهرت الهالات السوداء أسفل عيناه التي توضح عدم نومه المنتظم من فرط التفكير والحزن 

لكنه لا يزال تماما كما اعتادت أن تصفه كالعقاپ قوى في نظراته وصلب وشامخ حتى في أشد لحظات ضعفه ولطالما كانت ترى عيناه الواسعة تشبه عيني العقاپ في حدة نظرها وفي لونها البنى الغامق وحاجبيه المقطبين مما يعطيه مظهرا رجوليا 
هتف عدنان بتلهف 
إنتوا فين ياحبيبتي 
مش هينفع عشان المفاجأة 
مفاجأة إيه ! 
نظرت هنا لأمها التي هزت سبابتها ورأسها بالنفي تحذرها من أن تخبره بشيء لاحظ عدنان وجود جلنار بجانب ابنته فقال بصوت غليظ ومستاء 
اديني ماما يا هنا 
حولت شاشة ناحية أمها فانتفضت جلنار فورا من مكانها تبتعد عن الكاميرا ثم جذبت الهاتف من يد ابنتها واخفت الكاميرا بكفها فسمعت صوته الخشن وهو يحاول تمالك أعصابه حتى لا تسمعه ابنته ويقول بلهجة صارمة 
ابعدي ايدك من على الكاميرا ياجلنار 
هبت جلنار واقفة واتجهت إلى الغرفة وأشارت لأبنتها أن تنتظرها بمكانها وستعود لها أغلقت الباب وازاحت يدها من على الكاميرا ولكنها أبعدت الهاتف من أمام وجهها وقالت بصوتها الرقيق المعتاد 
انا اتصلت بس عشان هنا كانت زعلانة وعايزة تشوفك وتكلمك لأنك وحشتها 
اخدتي بنتي ورحتي بيها فين 
كان سؤال صريح ومحتدم منه لتجيبه هي بهدوء مستفز 
والمفروض إني اقولك عشان تاجي وتاخدها مني زي ما اتفقت مع بابا 
سمعت صيحته العالية التي خرجت من سماعة الهاتف 
مش إنتي رغبتك كانت الطلاق وصمتتي عليه كنتي متوقعة إني هسيبلك بنتي 
انفعلت هي الأخرى لتصرخ به في عصبية 
دي مش بنتك وحدك دي بنتي أنا كمان وأنا أمها ومن حقي تعيش بنتي معايا خصوصا وهي في السن ده 
استشاط غيظا وصړخ بها مغتاظا 
جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا 
عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغيظ 
متزعقليش فاهم ولا لا 
تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه في الهاتف وشعرها الناعم الذي ينسدل على كتفيها بانسيابية ووجهها الأبيض البريء والجميل وبعد أن امتصت رؤيته لها غضبه عاد يظهر على ملامحه من جديد 
حاطة الروج ده ليه ! 
قالت بقرف وهي تقصد إشعال نيرانه أكثر 
عشان بخونك 
خرجت صيحة عڼيفة منه كانت كافية لتوضح أنها نجحت بكلمتين فقط أن تثير جنونه 
جلنار 
صاحت هي الأخرى باندفاع 
في إيه !! مش لما تسأل أنت الأول أسئلة منطقية هبقى ارد عليك
كويس 
مسح على وجهه وهو يتأفف بقوة وبنفاذ صبر ليسأل للمرة الثالثة على التوالي 
آخر مرة هسألك إنتي فين 
جلنار بعناد وبنظرة متشفية 
مش هقولك ياعدنان وخليك كدا عشان تجرب الاحساس اللي كنت هتخليني احسه لما تاخد بنتي مني ولما تعرف أن الله حق وإنك أناني ومش بتفكر غير في نفسك سعتها هبقى اقولك احنا فين 
ولما تنتظر أن تستمع لرده الذي كان سيستمر في صياحه عليها حيث ضغطت على زر إنهاء المحادثة والقت بالهاتف على الفراش ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بابتسامة متشفية ومتغطرسة 
احسن أنت تستاهل أصلا تقعد محروم من بنتك كدا لفترة عشان تبطل نرجسيتك دي خليك على ڼار لغاية ما تتربي شوية مبقاش أنا جلنار الرازي أما ربيتك ياعدنان
بينما هو فألقي بالهاتف پعنف على سطح المكتب وهتف بوعيد حقيقي وهو يجز على أسنانه بغيظ 
ماشي ياجلنار وحياة أمي لأوريكي النجوم في عز الضهر بس الاقيكي
في مساء ذلك اليوم 
تتابع الطريق بصمت من نافذة السيارة وكل آن وآن تلقى نظرة خاطفة على الجالس بجوارها في مقعد القيادة لا تصدق أنها قضت اليوم كاملا معه تساعده في كل شيء ويتبادلون أطراف الحديث بتلقائية لم تكن تصدق أنها ستتحلى بها أمامه رغم أنها كانت ساعات مرهقة للأعصاب إلا أنها سعدت جدا بها وبقربها الجديد منه وكعادته كان لطيفا ومرحا يشعر بارتباكها منه فيحاول امتصاصه بشكل غير مباشر حتى تمكن بالأخير من فك قيود حيائها ! 
سمعت صوته الرخيم ليجذبها من شرودها 
زينة تلفونك بيرن !! 
انتبهت لاهتزاز هاتفها في يدها وصوته الصاخب فأجابت فورا على والدتها 
أيوة ياماما 
إنتي فين يازينة ليه اتأخرتي

كدا ! 
نظرت لآدم بابتسامة صافية ثم أجابت على أمها بصوت خاڤت 
كنت مع آدم يا ماما في المعرض
وجاية في الطريق أهو معاه 
طيب ياحبيبتي وسلميلي عليه أوي الندل ده 
وصل صوتها في الهاتف إلى أذنه فقهقه عاليا وقال بصوت عالي حتى يصل لها 
ربنا يخليكي ياخالتو ياحبيبتي جهزي عشا حلو بقى من إيدك الحلوة عشان الندل هيتعشى معاكم النهردا 
انزلت زينة الهاتف وفتحت مكبر الصوت ليسمع صوت خالته وهي تقول بفرحة 
ده بجد ياولا تتحسد يا آدم من عنيا هجهزلك احلى عشا وخلي أسمهان تولع فيا وفيك بقى 
لا متقلقيش عدنان وفريدة هيتعشوا معاها النهردا مش هتتعشى وحدها 
طيب الحمدلله يلا توصلوا بالسلامة 
أعادت زينة الهاتف إلى أذنها وودعت والدتها ثم اغلقته وبذهنها صراعات عڼيفة ستقضي المزيد من الوقت معه وهذا يعني المزيد من الاضطراب جذبها بصوته للمرة الثانية ولكن بنبرة متعجبة 
إنتي لحقتي تسرحي تاني يابنتي ! 
ابتسمت وهتفت بتلعثم 
م معلش أصل بفكر في كام حاجة فعشان كدا سرحت صحيح قولي مفيش أخبار عن جلنار وهنا يا آدم 
تنفس الصعداء وهتف بعبوس 
للأسف مفيش محدش عارف يوصلهم وعدنان من كتر الهم والزعل بقى شخص تاني تماما 
زمت شفتيها وقالت بإشفاق 
طبيعي هو متعلق بهنا أوي وجلنار غلطانة جدا في اللي عملته 
آدم بخنق 
أنا رغم ضيقي منها وڠضبي على اللي عملته إلا إني برضوا مديها العذر وشايف إن عدنان يستاهل يجرب بعده عن بنته بيتعب إزاي بعد ما كان عايز ياخد بنتها منها
أصدرت زينة زفيرا حارا وقالت بنبرة رقيقة وكلها ثقة 
هترجع أنا واثقة هي شكلها بس محتاجة تاخد شوية وقت عشان تعرف هتتصرف إزاي بعدين مع أخوك 
خرجت تنهيدة قوية من آدم وهو يجيب بتمنى 
يارب يازينة البنت المفعوصة الصغيرة وحشتني أوي والله
طالعته بابتسامة واسعة في حب غير منتهبة لنظرتها وسرعان ما اشاحت بوجهها للجهة الأخرى بتوتر بعدما وجدته لاحظ نظرتها 
قبل أربع سنوات 
في عريس متقدملك 
لاحت بشائر الابتسامة العريضة على شفتيها لترد على أبيها بحياء بسيط 
عريس مين ده يابابا 
خرج صوت نشأت خشن وصلب 
عدنان الشافعي 
سكنت للحظات تستعيد ذلك الاسم في ذاكرتها أين سمعته ومتى رأته ! فقذفت صورته في ذهنها فورا ولترتفع الصدمة على محياها وهي تقول 
مش ده اللي كنت شريك معاه في صفقة من فترة واعتقد أنه متجوز صح ! 
هز رأسه بإيجاب وقال بحزم 
آه بس مراته مش بتخلف 
تمتمت جلنار بنظرات كلها ريبة وحيرة من طريقة أبيها وهدوئه الغريب 
وإنت بتعرض عليا حاجة زي إزاي يا بابا أنا لا يمكن اوافق واتجوز واحد متجوز
يبدو أنها فهمت صيغة الحديث بشكل خاطيء فهو لم يكن يعطيها حرية
الموافقة أو الرفض بل كان يخبرها بما سيحدث خلال الأيام القادمة فرصة كهذه مع إمبراطورية الشافعي
لن يضيعها مهما حدث ولا يهتم بنقطة زواجه كل ما يهمه أن ذلك الزواج سيعود عليه بالنفع ولن يسمح لابنته بأن تخربه 
نشأت بصوت جاف لا يحمل الرفق 
أنا مش بخيرك يا جلنار أنا رديت عليه وخلاص كتب الكتاب هيكون بعد يومين 
what !! يعني إيه رديت عليه يابابا إزاي توافق هو انا مليش رأى أنا لا يمكن اتجوز البني آدم ده 
قبض على ذراعها وصاح بها في صوت جهوري نفضها في أرضها وهو يقول بلهجة لا تقبل النقاش 
هتتجوزيه ياجلنار ڠصب عنك أنا معنديش استعداد اضيع فرصة زي دي من إيدي عشان دلع البنات بتاعك ده الجوازة دي هتخلي اسم نشأت الرازي في مكان تاني خالص وإنتي عايزة تضيعي الفرصة اللي جات لابوكي بسهولة عشان متجوز وكلام فارغ
انهمرت دموععها غزيرة على وجنتيها من قسۏة أبيها لطالما كانت تعاني من إهماله لها ومعاملته الجافة في كل شيء وبالأخص بعد ۏفاة والدتها حيث أصبحت بمفردها في مواجهة قسۏة أب لا يعرف الشفقة ولا كيف تكون مشاعر الأبوة حتى لكن أبدا لم تكن تتوقع أن يصل به الحد ليجبرها على الزواج من رجل لا تعرفه ولم تراه قط فقط كانت تستمع للأحاديث التي تروى عنه وفوق كل هذا متزوج ! 
ترك ذراعها وهتف يلقي بجملته الأخيرة غير مباليا باڼهيارها ودموعها ليعطيها أوامره التي لا تقبل النقاش وهو يصدر مرسوم قټلها 
جهزي نفسك وخدي صحبتك وانزلي اشتري فستان لكتب الكتاب يليق ببنت الرازي 
عودة للوقت الحاضر 
فتحت أسمهان باب المكتب ودخلت لتلقي نظرة على ابنها الجالس على الأريكة وبيده سېجارة يضعها في فمه ثم يخرجها ويزفر معها الدخان بشراسة كلما تخطر بذهنه احتمالية أن تكون جملتها عشان بخونك حقيقة تشتعل النيران بداخله ويشعر وأنه على وشك أن يطيح

بكل شيء يراه أمامه تلك الحمقاء تختبر صبره وهي تعلم أن خروجه عن أطار الهدوء والثبات المزيف الذي يدعيه يعني وقوع كوارث 
جلست أسمهان بجواره وملست على كتفه هامسة بتوتر 
مالك ياعدنان 
أتاها صوته المتحشرج وهو يجيب 
بنت الرازي اتصلت أخيرا 
اتسعت عيني أسمهان پصدمة وسألت بحماس 
وقالتلك مكانها ! 
اخرج السېجارة من فمه وقال بنبرة ملتهبة 
مقالتش بس هلاقيها هتروح مني فين وسعتها هعرفها بطريقتي ازاي تاخد بنتي وتهرب بيها تاني
طيب وهنا اطمنت عليها هي كويسة 
طيب إنت متعرفش صديق ليها ساعدها في الهرب تقدر من خلاله توصلها 
رقمها بنظرة ممېتة ليهتف بعصبية بعدما اخترقت اذناه كلمة صديق 
أنا على أخرى وأنتي بتقوليلي صديق وزفت يا أمي إنتي عايزة تجننيني !! 
تصنعت الحزن وقالت باعتذار وملامح وجه عابسة 
أنا مقصدش حاجة ياحبيبي أنا بس بفكر وبقول بما أن ابوها ميعرفش حاجة عنها ولا صحابها ولا أي حد فازاي هتقدر تهرب لوحدها من غير ما حد يكون معاها عشان يساعدها 
نجحت بكلماتها أن تثير الشك في نفسه أكثر حيث نظر لها بتفكير وبعينان مشټعلة بنيران الغيرة والشك اقسم في نفسه أنه لو كان هذا الاحتمال صحيح وأنها بصحبة رجل آخر الآن سيذيقها الوان العڈاب المختلفة 
استقام واقفا واتجه نحو النافذة يقف أمامها ومازالت بيده السېجارة ووجه تحول للأحمر القاتم من شدة السخط لمح زوجته فريدة تقف في الحديقة بالخارج وتتحدث في الهاتف وتضحك بملأ شدقيها نظر في ساعة يده ووجدها الثانية عشر بعد منتصف الليل ! مع من تتحدث في ذلك الوقت المتأخر !!
أطفأ السېجارة والقاها في منفضة السچائر ثم اتجه إلى خارج المكتب تماما وسط نظرات أمه المستغربة التي نهضت فورا واتجهت إلى النافذة لتنظر إلى ما كان ينظر إليه
 

انت في الصفحة 4 من 86 صفحات